السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الغيرة على الأعراض فطرة فطر الله بني آدم عليها وهي من سمات كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه حرما مصوناً لا يرتع فيه اللمازون ، ويجوس حماه العابثون .
ولعظم مكانة الأعراض والمحافظة عليها فإن من قتل دون عرضه فهو شهيد .
لقوله عليه السلام : (( ومن قتل دون أهله فهو شهيد )) صحيح الجامع (ح : 6445 )
إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهي
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه
لقد كانت الغيرة على الأعراض تجري في عروق سلفنا الصالح مجرى الدم ، فكانوا لا يهاودون فيها ولا يمارون ، ففي صحيح البخاري أن سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أشهد أربعا ، فقام سعد متأثرا فقال : يا رسول الله أأدخل على يريبني ... ثم أنتظر حتى أشهد أربعا ؟ لا والذي بعثك بالحق إذا رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحن بالرأس عن الجسد ولأضربن بالسيف غير مصفح وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء فقال عليه السلام : (( أتعجبون من غيرة سعد والله لأني أغير منه ، والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن )) .
وفي صحيح البخاري أيضاً : أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه زوجة الزبير بن عوام قالت : " جئت يوما والنوى ـ أي التمر الذي صار له نوى ـ على رأسي ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( أخ ، أخ ) ـ لبعيره الذي يركبه ـ ليحملني خلفه فاستحيت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني فأتيت الزبير فقصصت عليه القصة فقال : لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه "
أولئك آبائي فأتني بمثلهم يا جرير إذا جمعتنا المجامع
أفلا يستحي الإنسان أن يكون القرد أغير منه نعم القرد عنده غيره على إناثها ففي صحيح البخاري عن عمر بن ميمون قال : ( رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قرده قد زنت فرجموها فردمتها معهم ) .
قال ابن حجر في الفتح : ( وقد ساق الإسماعيلي ـ أي في مستخرجه على البخاري ـ هذه القصة من وجه آخر مطولة عن عمر بن ميمون قال : كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف ـ أي مكان مرتفع ـ فجاء قرد مع قرده فتوسد يدها ، فجاء قرد أصغر منه فغمزها فسلة يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته ، فوقع عليها وأنا انظر ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق فأستيقظ فزعا ، فشمها فصاح ، فاجتمعت القرود ، فجعل يصيح ويؤمئ إليها بيده ، فذهب القرود يمنة ويسرة ، فجاءوا بذلك القرد أعرفه ، فحفروا لهما حفرة فرجموها ، فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم ) . الفتح (7/196ـ38449) .
وقال رحمه الله عند ذكره لفوائد هذا الحديث ( وفيه ـ أي القرد ـ من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته ) .
فاتقوا الله عباد الله في الغيرة على الأعراض مما يخدشها وقد رويت عن نبينا صلة الله عليه وسلم أحديثا في ذم تاركها فعن عبد الله ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق بوالديه : والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث )) . رواه الإمام أحمد (ح: 6180) وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع (ح:3063) وجاء تفسير الديوث في رواية لأحمد (6113) : (( الذي يقر في أهله الخبث )) وفي لغة العرب الديوث : من فقد الغيرة و الخجل ، وتقول العرب تديث فلان : قاد على أهله المعجم الوسيط ( 1/306 ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الغيرة من الإيمان ، وإن البذاء من النفاق )) والبذاء : الديوث . رواه عبد الرزاق (10/409 ) والبيهقي (10/225 ) .
قال ابن القيم رحمه الله : ( إذا ارتحلت الغيرة من القلب رحلة المحبة بل ترحل الدين كله ) .
وصلى الله وسلم عل سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
كتبه د . نويجع بن سالم العطوي
رئيس قسم الدراسات القرآنية والإسلامية بكلية المعلمين بتبوك